بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) .
قد نادى الله تعالى المؤمنين وخاطبهم ، آمرا إياهم بصيغة الإغراء بأن يهتموا بإصلاح أنفسهم ، بالعلم الصحيح والعمل الصالح ، وبين لهم أنهم إذا أصلحوا أنفسهم ، وقاموا بما أوجب الله عليهم من علم وعمل وتعليم وإرشاد ، فلا يضرهم من ضل من الناس عن محجة العلم الصحيح بالجهل والتقليد ، وعن صراط العمل الصالح بالفسق والإفساد في الأرض .
فيا أيها المؤمنون إلزموا صلاح أنفسكم وتزكيتها بما شرعه الله لكم ، لا يضركم ضلال غيركم إذا اهتديتم ، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى .
ومن أصول الهداية : الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا لا تكونون مهتدين إلا إذا بلغتم دعوة الحق والخير ، وعلمتم الجاهلين ما أعطاكم الله تعالى من العلم والدين ، فلا تكتموا الحق والعلم كما كتمه من كان قبلكم فلعنهم الله تعالى على لسان أنبيائهم ولسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم . ( إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) ، فيجازيكم ويحاسبكم بما كنتم تعملون في الدنيا .
وقد روى الحفاظ بسندهم عن قيس أنه قال : قام أبو بكر رضي الله عنه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم .... ) الآية ، وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) ، ويا أيها الناس ، إياكم والكذب ، فإن الكذب مجانب الإيمان . رواه أصحاب السنن الأربعة .
روى الترمذي بسنده عن أبي أمية الشعباني ، قال : ( أتيت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه ، فقلت له : ما تصنع في هذه الآية ؟ قال : أية آيه ؟ قلت ، قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) . قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : ( بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمر العوام ، فإن من ورائكم أياما ، الصابرفيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم ) .
والحاصل أنه قد علم من هذه الروايات أن السلف اتفقوا على أن المؤمن لا يكون مهتديا بمجرد إصلاحه لنفسه ، إذا لم يهتم بإصلاح غيره ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وإنما يتم الإهتداء إذا أطيع الله وأدي الواجب من الأمر والنهي وغيرهما : لكن في الآية فوائد عظيمة .
أحدها : أن لا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إذا كان مهتديا .
الثاني : أن لا يحزن عليهم ولا يجزع عليهم ، فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى ، وهذان المعنيان مذكوران في قوله تعالى (( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون )) .
الثالث : أن لا يركن إليهم ولا يمد عينيه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات ، كقوله تعالى (( ولاتمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم )) فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم في آية ، ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم في آية فإن الإنسان قد يتألم عليهم ومنهم إما راغبا وإما راهبا .
الرابع : أن لا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم أو نهيهم أو هجرهم أو عقوبتهم ، بل يقال لمن اعتدى عليهم عليك نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت ، كما قال تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم ، الآية ) وقال تعالى (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) وقال تعالى (( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )) .
الخامس : أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع من الرفق والصبر وحسن القصد وسلوك السبيل القصد .
فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيها المعنى الآخر وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا وإعراضه عما لا يعنيه ، كما قال صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه ، لاسيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم